التسميات

الاثنين، 24 يونيو 2013

إدريس المهدي السنوسي … الملك الشاعر

إدريس المهدي السنوسي … الملك الشاعر

أجبرت الظروف السياسية الأمير إدريس المهدي السنوسي رحمه الله بأن يهاجر من ليبيا إلى مصر، و أوكل قيادة الجهاد في برقة لعمر المختار رحمه الله … و كما خاض المختار و إخوانه رحمهم الله ساحات الوغى بالسلاح داخل ليبيا، خاضها الإدريس رحمه الله باللسان و القلم و بالمناورات السياسية و اللقاءات الدبلوماسية خارج ليبيا ثم توّج الأمير إدريس جهاده بتكوين نواة جيش التحرير السنوسي، و لما أذّن الأمير بحيَ على الجهاد، لبّى شباب ليبيا نداءه و جاؤا من كل فج للمشاركة في تحرير بلادهم من قوات المحور.

***
في يوم قائض حرّه … يوم من أيام شهر يوليو عام 1947 وقف الأمير على شاطئ مريوط بمصر عند غسق الدجى، و التفت صوب ليبيا حيث تغرب الشمس فتذكّر مدينة البيضاء بهوائها المعتدل في الصيف و هى تتتوَّج فوق رأس الجبل الأخضر. البيضاء … مسقط الرأس و موضع المهد و المرضع، و الجبل الأخضر … مرتع الطفولة و الصبا، فأخذ الشوق بتضاعيف فؤاده و ألمَّ الحنين بحنايا جوانحه و تذكّر الأمير المهاجر آنذاك رسولامهاجرا و مؤذنا مهاجرا سبقاه بالهجرة و الجهاد و سبقاه في الشوق و الحنين إلى موطنهما و دارهما.
تذكّر الأميرالرسولَ صلى اللع عليه و سلّم عندما خرج من مكة مهاجرا ثم التفت إليها و قد اغرورقت عيناه و فاضت مآقيه مخاطبا إياها: "والله إنك لخير أرض الله و أحبُّ بلاد الله إلى الله، و لولا أني أُخرجتُ منك ما خرجت".
و تذكّر الأميرُ المؤذّنَ الصحابي بلال بن رباح رضي الله عنه الذي لم تلهه المدينة بنخيلها و خضرائها عن مكة بجبالها و جردائها و هدّه الشوق لمكة فأنشد يقول:

الاَ ليتَ شِعْرِي هل أبيتنَّ ليلة ... بوادٍ و حولي إذخرُ و جليلُ
وهل أرِدَنْ يوما مياه مَجَنَّةٍ ... وهل يَبدُوَنْ لى شامة و طَفيلُ

فهيجَ بشعره مهاجري مكة شوقا لها حتى عاتبه الرسول صلى اللع عليه و سلّم قائلا: "يا بلال ... دع القلوب تقر".

***
ألهبت قصيدة بلال مشاعرَالأمير إدريس في غربته و زادت لواعج شوقه إلى البيضاء و الجبل الأخضر فنسج على منوال أبيات بلال قصيدة قال فيها:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... ببيضا وحولي أزهار الصنوبر
وهل أذهبن يوما ضحا وعشية ... إلى فئ ظل غابها أتعثر
وهل أرد عذب المياه بمسة ... وهل أشم من ريح الخزام فصعتر
وهل أسمعن بنوح الحمائم ... على فنن الأشجار تبكى فتهدر
وهل أسمعن صوت اليمام مجاوبا ... على دوحة يوما يقاطعه عصفر
سلامى على برقا وساكن ربوعها ... لواعج أشواقي تزيد فتكثر
الي جبل نضر المناظر يانع ... زهى لونه فاق النظائر أخضر
وجل مناي زورة لرويفع ... يجل بها قدرى ويعلو ويزهر
وتمحى ذنوبى كلها اثر توبة ... فقد أوترت ظهرى زمانا وادهر
وحسن ختام أخر العمر نعمة ... بيثرب حيث النبى المبشر

***

رحم الله الملك إدريس و رفقاءه الذين جاهدوا و الذين أرسوا دعائم دولة الإستقلال و بنوا صرحها، ثم مضوا للقاء ربهم في بصمت محتسبين ما عملوا، مودِعين آثارهم لمن لا تضيع ودائعه.
و حمدا لله الذي استجاب لدعاء الإدريس فى آخر بيت في القصيدة فكان له ما تمنى فدفن في البقيع بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل صلاة و أطيب سلام.

و ختاما… ما كان لهذا المقال أن يرى النور لولا أن بعث لي العقيد ركن طيّار محمد منفور بقصيدة الملك الشاعر إدريس المهدي السنوسي رحمه الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق