التسميات

الجمعة، 21 مارس 2014

أمي




أمي ، يا كلمة أكبر من الدنيا وما فيها ، يا نغمة تملؤها حباً ونوراً وضياء ، يا بهجة تسري إلى أعماق روحي ، وتنفذ إلى صميم قلبي ، وتبدو على نور شفاهي وإشراق جبيني ..
يا ذا الملاك الطاهر الذي يهبط إليَّ بجناحه الكبير ، فيغذي روحي ، ويطعم قلبي ويفتح ناظري على جمال الدنيا وسحر الحياة ، ويضع يدي على قلب الوجود الدافئ .
أنت زهرة عمري وغاية شوقي ، ونغمة أمسي ويومي ، أنت منبع العطف الذي استقيته صغيراً وهمت به كبيراً ، ولهجت به طفلاً ويافعاً وكهلاً ، أيها الحب المجنح الذي لا يفتأ يحلق في سماء عقلي ويقفز فوق سهول روحي ، وبقاع فكري ، يخطو بأقدام نورانية ، تشع طهارة ونبلاً وصفاء ، يعزف على أوتار قلب كئيب هذه الأنغام الخالدة ، وهي تتدافع من قيثارة ربانية حالمة ،يلمس بأيدٍ من حرير مجامع قلبي ، ويأخذ بأعنة نفسي .. أراه يهمس إليَّ بفيض من حنان دافئ يكاد يملأ روحي ، ويهز شغاف قلبي ، ويأسر جوانح نفسي ، ويملك عليَّ مشاعري وأحاسيسي ، يضحك إليّ بأروع وجه ملائكي ،يبتسم حيناً فأخال الدنيا تنتعش لابتسامته الحالمة ، وتنبعث منها الحياة حلوة هانئة ، يشير إليَّ بطرفه فأعانقه حباً وكلفاً ، وأصافحه شوقاً ووجداً ، أبادله حباً بحب ، ووجداً بوجد أقاسمه شوقاً لافحاً ، وتيماً صارخاً ، أراه يمشي إليَّ هادئاً ، فأولع بخياله ولوعاً وأنزع إليه نزوعاً ، وكلي علاقة وكلف ، فأنظر إليه وفيَّ من الشغف ما ليس يخفى ومن الهيام ما ليس يطوى ،يا لهذه المقة التي خالطت روحي ، ولازمت نفسي ، وتمشت بين مفاصلي ، يا لهذا الشوق الذي يغرس منقاره بين حنايا نفسي ، ويمد عنقه بين ثنايا فكري .
وما أراني إلا صَبَّاً إليك ، حانياً عليك ، أتملى من حسن لا يغرب ، وأرشف من عذب لا ينضب أستشعر هذا الحنين الجارف ، والتوقان الراعف ، الذي اختلس لبي محبة ، وخلب قلبي لهفاً ، وانتسف مهجتي مودة ، وجناني عشقاً وظمأً .
أماه ..أماه ..ها أنت ذي تأتين نوراً وضياء ، تلمسين خصلات شعري برفق وأناة ، فأستشعر برفق دافئ لا أجد لوصفه سبيلاً ، فتأخذين نفسي بين يديك الحانيتين اللتين تقطران حناناً ودفئاً ، وتطبعين قبلة من الرياحين تستقر في أحشائي المتعبة ، فأتهاوى بين يديك طفلاً ، كعصفور باحث عن مأوى .
أي أماه ... هذه دموعي تنهمر عند ذكر اسمك حباً ، وتذرف شوقاً ،وهذه نفسي وهي تئن ، لا تفتأ ذاكرة مدى عطفك ورحمتك ، وصبرك وعفتك ، وأنا أكاد أذوب صبابة وغراماً ، وقد دله الحب فؤادي ، ووله شعوري ، وتيم نفسي وكساني بيده حلة تزداد نوراً وصفاء ، وجعلت من قلبي عشاً لحبك السماوي ، يعشعش فيه الوجد ، ويخيم فيه التبل ، ويثوى فيه الجوى ، وهو يحل من نفسي بأرفع محل ، وينزل من روحي بأكرم بيت .
ولا أستطيع أن أتمالك نفسي ،وأنا أذكرك خالياً ، وإن فعلت بكيت حتى أنام أو أكاد ، وها أنا ذا أبكي على ذكراك طفلاً ، يراني جميعهم كبيراً مهيباً ، وأنا لا يزال يتنفس في أعماقي طفل صغير .
د. فيصل مفتاح الحداد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق