التسميات

الجمعة، 30 أغسطس 2013

من كتاب من أضعف الإيمان




لسان الحال

بقلم الأستاذ الدكتور فتحي أبو القاسم الغماري

   عندما تطلع الشمس وينقشع الظلام وتزول الغيوم.. وعندما تصفى السماء ويهب نسيم عليل بدلا من الرياح الباردة.. وعندما تصفى النفوس.. عندها سنراجع أعمالنا وأفعالنا ونسأل أنفسنا السؤال الهام.. هل أبلينا بلاءا حسنا؟ ما هو نتاج حياتنا على هذه الأرض؟ هل استحق كل منا ما تحصل عليه نتيجة عمله؟ هل كان أي منا على علم بما كان وبما سيأتي؟ لا أعتقد بأننا نستطيع الإجابة على هذه الأسئلة. الأسئلة صعبة  والأجوبة ستكون غير واضحة، والسبب بسيط. فكل شيء تقريبا نسبي في هذه الحياة وكل إنسان ينظر إلى الأمور ويزنها بميزانه الخاص الذي نما به وضبطه بمعاييره الخاصة التي قد لا تتفق مع معايير غيره في الحكم على الأشياء. قد يكون أقدر الناس على الإجابة على هذه الأسئلة أولئك الذين يكتبون التاريخ.. نعم.. المؤرخون، آخذين في الاعتبار اختلاف وجهات نظرهم في الحكم على الأحداث وتأثرهم بنمط حياتهم وتعليمهم ودينهم. كما أن لمعتقداتهم السياسية الأثر الكبير في الحكم على الأشياء والوقائع. كل واحد منهم سيكتب عنها من وجهة نظره ويقوم بتحليلها حسب ما يراه ويفهمه. سيختلف المؤرخون في تفسير كثير من الأحداث الماضية.
   يمكن تشبيه ما يحدث في هذه الحياة بمسلسل درامي طويل تتخلله حكايات وحكايات. منها الحكايات الجميلة ومنها الأحداث الدرامية ومنها المآسي والويلات. ونسأل أنفسنا ونسأل أيضا غيرنا عن ماهية المحرك الرئيسي لتلك الأحداث. وتكون الإجابات عشرات النظريات في محاولات لتفسير ما يحدث ومحاولة معرفة من تحكم ويتحكم في تلك الأحداث بإرادة الله تعالى.. فالله سبحانه يوجد الأسباب والبشر يتصرفون حسب ما يضنون أنه الصواب. وقد اقتربت وجهات نظر كثير من الفلاسفة والمفسرين والمحللين  واختلفت عند الكثير. ولكن مهما كانت تفسيراتهم وتنوعها فأنا أرى أن محرك التاريخ هم بالدرجة الأولى أشخاص متميزون وليست الشعوب، ولو أنها تلعب الدور الرئيسي في صنع تلك الأحداث. فقد يتحرك شعب ما في فترة ما في مكان ما ليفعل شيئا ما، غير أن ذلك يكون بتأثير عقل مدبر يقف وراءه وقد تكون له غاياته ومعتقداته ومآربه الخاصة وهو يسعى إلى تحقيقها من خلال تحريك الشعوب.. ولنا في التاريخ أمثلة كثيرة منها تحركات التتار بقيادة جنكيز خان وأولاده ثم أحفاده أتيلا وهولاكو حيث خرجوا على العالم عدة مرات في فترات تفصلها مئات السنين في محاولات لإخضاع العالم المتمدن لسيطرتهم. وسواء أكانت تحركات جنكيز خان أو تحركات التابعين من أحفاده فقد أثرت تلك الأحداث تأثيرا شديدا في حركة التاريخ في أسيا وأوربا. كانت تلك الشعوب المعروفة بشعوب يأجوج ومأجوج تخرج في كل مرة تحت قيادة وإلهام قائد عظيم وفكر مدبر.. وكانت تتخلل فترات خروجهم فترات فتور وضعف وسكون في غياب العقول المدبرة والرجال القادة. ولنا مثل أيضا في أحداث النصف الأول من القرن العشرين وبالذات ما حدث أثناء تولي هتلر قيادة ألمانيا حيث استطاع إقناع الشعب الألماني بأنه الشعب الأسمى الذي يحق له وحده الزعامة وحكم العالم فتسبب في الحروب الطاحنة التي أودت بحياة الملايين من البشر من جميع بلدان العالم وغيرت خرائط العالم. كما نذكر كارل ماركس المفكر الذي استطاع بنظريته الماركسية التي تبناها بعض زعماء العالم من السيطرة على مجرى الأحداث لمدة نصف قرن على الأقل.. حيث قام ستالين ولينين بتحريك الطبقة العاملة في الاتحاد السوفييتي السابق لتشكيل الخارطة السياسية في المنطقة.
   إذا فالعالم يتشكل حسب رغبة أشخاص معينين لهم القدرة على السيطرة على الآخرين واتضح أن لهم يداً في جميع التغيرات التي نشهدها على مر السنين. هؤلاء الأشخاص قد يكونون أداة لقوة خفية تسيطر فعلا على مجريات الأحداث في العالم على مر العصور. أي بمعنى أن الأشخاص غير دائمين ولكن الفكرة دائمة بدوام هذه القوة الخفية. والحقيقة أن ما يجعل هذه القوة الخفية فعلا قوية هي كونها فعلا خفية.
   هذه القوة تعمل على السيطرة الكاملة على العالم. كانت الطريقة المتبعة في الماضي الاحتلال العسكري والتسلط الديني ومن ثم السيطرة الروحية على الشعوب بالمناداة بشعارات قد لا يطبقونها هم أنفسهم. إنهم ينادون بالمساواة ويستعبدون الشعوب الأخرى.. يطالبون بتطبيق الديموقراطية وهي لا تطبق ظاهريا إلا في أوطان القوة المتسلطة. ثم نجد أن العالم تطور حتى أصبحت أكثر دول العالم مستقلة اسميا بعد تضحيات قدمتها شعوبها. ولكن ماذا حدث ؟ هل فعلا تنعم تلك الدول بالاستقلال؟ سؤال صعب ولكن إجابته بكل صراحة وشجاعة هي لا. لقد تركت القوة المتسلطة سياسة الاحتلال المباشر إلى سياسة السيطرة المباشرة على مقدرات الشعوب في ظل استقلالها الصوري.. الذي يحاولون إبرازه في شكل احتفالات تكثر فيها الزينة والموسيقى والاستعراضات العسكرية التي تظهر فيها الدبابات والطائرات والأسلحة المختلفة المستوردة أصلا من بلاد تلك القوة المسيطرة. إن السيطرة الآن تأمنها السياسات الجديدة المتمثلة في السيطرة الاقتصادية والثقافية والفكرية عن طريق العولمة والنظام العالمي الجديد. يا لها من فكرة ذكية. ألا يستحق مبتكروها فعلا أن يكونوا أسياد هذا العالم المتردي؟ ألا تستحق تلك الشعوب النائمة أن تكون تابعة لا متبوعة؟. لديها الإمكانيات المادية من ثروات فوق الأرض وتحت الأرض.. حتى وإن كانت تلك الثروات في أيدي قلة من المتسلطين محليا.. إلا أنهم قد يتمكنون من شراء ما يريدون من القوة السيد.. فلماذا إذاً يحاولون تطوير صناعاتهم واقتصادهم ما دامت تلك القوة توفر لهم ما يريدون مقابل المال دون أن يكلفوا أنفسهم عناء ومشقة زراعة الأرض أو بناء المصانع!؟ إنه في الظاهر الاختيار السهل.
   لقد عبرت القوة المسيطرة مؤخرا وفي مناسبات كثيرة عن هذه اللعبة ولم تستح أن تعلن على العالم أجمع بأنها لم ولن ترضى عن من يعاديها ويتحدى سلطتها. أعلنت بأنها ستقوم.. وفعلا قامت بردع كثير من الدول التي عزمت على المقاومة.
ونسأل أنفسنا ماذا يخبئ لنا المستقبل؟ لا ندري. ولكن إذا أردنا مجرد التفكير في أقرب إجابة على هذا السؤال فلنسأل أنفسنا ماذا قدم كل جيل من الأجيال السابقة للجيل الذي يليه؟ إذا فكرنا في السلبيات والإيجابيات التي مرت بها تلك الأجيال فلنبحث عن المحصلة.. وستكون الإجابة مرهونة بنتيجة هذه المحصلة. سنسترجع في ذاكرتنا ما قام به الأسلاف عند خروج قوم جوج ومأجوج المتمثل في حملات المغول التتار على مر العصور و حتي يومنا هذا حيث يسيطر تتار العصر الحديث. قد تظهر لنا الحقيقة عندئذ.. قد تظهر الشمس وينقشع الظلام وتزول الغيوم وتصفى السماء.. ولكن هيهات أن يهب النسيم البارد والجحيم لازال مستعراً!. 

* * * *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق